حجاب السوق
لم يتخلَّ إسلام السّوق عن الحجاب، لكنّه روّج لحجابٍ جديد. حجابٌ يركّز على أناقة المرأة وجمالها وأنوثتها، مع جرعةٍ مكثفةٍ من الأصباغ والمساحيق على وجه الفتاة المحجّبة ليزيد جمالها. تجاوز حجاب إسلام السّوق مفهوم الحياء إلى مفهوم الأناقة والجمال والقوّة والحضور المستمر في الحياة العامّة.
وتحوّلت فلسفته من لباس للحشمة والتّواضع، إلى "حجاب ما بعد إسلاميّ". حجابٌ منفتحٌ على التّأثيرات الثقافيّة الأجنبيّة، وحالةٌ استعراضيّة للتّفاخر وإظهار الجمال، وتتبّع الموضة، ووصم برؤيةٍ استهلاكية تدفع نساء الطّبقات الصّاعدة اللّاتي يرتدين الحجاب إلى السّعي لحجابٍ يحمل لافتات دور الأزياء ويشير للمكانة الطبقيّة، وتحوّلت من وضعٍ انتشر في تركيا، إلى ظاهرةٍ تطال العالم الإسلاميّ أجمع.
ويتعرّض مشهد الملابس الإسلاميّة لنفس التّحولات وفقًا لإيقاعات ومستويات متنوّعة، فالحجاب نُقل إلى سياقٍ استهلاكيّ سرعان ما سيدمغه بقيمه ومعاييره الخاصّة. ويؤكّد "هايني" أنّ ذلك الأمر يمكن ملاحظته بوضوح في تركيا حيث ينتج الأمر عن التّرابط بين واقعين؛ اندماج تركيا في اقتصاد السّوق من جهة والظهور المتزامن لبرجوازيّة (الطّبقة فوق المتوسطّة) إسلاميّة تؤسّس فضاءً إعلاميًّا جديدًا في تركيا العلمانية يؤدّي إلى إحداث تحوّل في تفضيلاتهم الشخصية (12).
الحجاب التّركي (مواقع التّواصل الاجتماعيّ)
ولا يقتصر الأمر على تركيا، فقد ظهر كذلك في مصر تحوّلات بارزة لنمط الاحتشام الإسلاميّ، فقد كان نمط الحجاب والملابس في بداية مسار الحركة الإسلاميّة يتميّز بالصّرامة وغير عابئ بالألوان ولا بالعلامات التجاريّة، ثم شيئًا فشيئًا ومع ظهور رجال الأعمال الإسلاميّين وأسرهم ظهر نمط جديد من الاحتشام يعبّر عن مرحلةٍ جديدةٍ من الرّفاهية، حيث صار الاحتشام الصّارم مزيّن بالألوان وبنمط الحجاب التّركي، كما ظهرت متاجر جديدة وفخمة لبيع الأزياء العصرية لملابس المحجّبات.
ويقول "هايني": "وسواء أكان الحجاب مستوردًا من تركيا أو مستوحًى من الأوشحة التقليديّة الباكستانيّة أو الإيرانيّة فإنّ قوانين ألوان الموسم التي يصدرها مصممو الأزياء في باريس أو تورينو هي المعتمدة. فبات الحجاب لا يجسّد بديلًا هويّاتيّا يعبر عن انتماءٍ ثقافيٍ معيّن، لكنّه يُقحم عبر المنطق التجاريّ كمنتجٍ محليّ يحظى بالتّقدير اجتماعيّا" (13).
وهكذا وكما يذهب "تمام" فإنّ الإسلاميّين انتقلوا من "حقبة الحلم" -كما يسميها "تمام"- التي كانت فيها الكوادر تستغرقها روح زهدٍ وتقشّفٍ وانصرافٍ عن زينة الدّنيا ومتاعها، وكانت روح الجدّ حدّ الصّرامة والتجهّم سمتًا يُعرفون به، إلى حالةٍ أخرى تغيّر فيها النّموذج الذي يُلهب الشّاب من نموذج "رهبانٌ باللّيل فرسانٌ بالنّهار" الذين كانت تتغنّى لهم الأنشودة "إذا جَنّ المساء فلا تراهم من الإشفاق إلّا ساجدينا"! إلى نموذج "الجنتلمان الإسلاميّ" الذي يرتدي أبهى الحلل ويقتني أفخم السّيارات ويعتلي أهمّ المناصب ولكنّه يسخّر ذلك كلّه في سبيل الله!