مقارنة بين واقعِ التعليم في الوطنِ العربي كلّه، وبين واقع التّعليمِ في دولةِ الاحتلالِ، والتي لا تزيدُ مساحتُها عن نصف دولة اسكندنافية
عُرِضَتْ مسرحيةُ مدرسةِ المشاغبينَ التي كتبَها المصريّ “علي سالم” عام 1973م وكانت تلك المسرحيةُ واحدةً من أشكالِ التّعبيرِ، وترسيخِ الانطباعِ العامّ -ربما- عن واقعِ التّعليمِ في العالمِ العربيّ، فالطلبةُ عصاباتٌ، والمعلّمُ ذو قدراتٍ عقليّةٍ متخلفةٍ، والمديرُ مجّردُ غبيّ انتهازيّ.
هل كانَت هذه الصّورةُ معبّرةً عن الواقعِ؟ أم محاولةً لترسيخِه؟ اليوم ما يزيدُ على ثلاثِ عقودٍ من تلك المسرحيةِ لا يزالُ الواقعُ الإعلاميّ -تحديدًا- ينقل نفس التّصورِ، ويرسّخ نفسَ الصّورةِ بل أسوأَ عن التّعليمِ المدرسيّ في العالمِ العربي! حتى وصلَت المهانةُ بالإعلامِ المصريّ تحديدًا إلى تضمينِ أحدِ الأفلامِ المصريّةِ في مقارنةٍ رخيصةِ، والسؤالِ: “هل، هذا معلمٌ، وهذا كلبٌ؟!
ما الذي نريدُه من التّعليمِ في عالمِنا العربي؟ وهل يحقّقُ الواقعُ التعليمي شيئًا مما نريدُه؟
هذ التّقرير يناقش واقعَ التَعليمِ المدرسيّ، والجامعي في العالمِ العربيّ من حيثُ الأرقامُ، والحقائقُ، والقضايا الإشكاليّة، والمنهجيّةُ في منظومةِ التعليمِ العربيّ بشكلٍ عامٍ، والنّظرُ في حالِ بعضِ الدولِ العربيّةِ، وما الذي تعانيِه بشكلٍ خاص، أو ما تقدمُه من إضافاتٍ نوعية.
أرقام وحقائق
نظرة سريعة على الأرقامِ التي تصدرُها المؤسساتُ العربيّةُ العاملةُ في مجالِ التربيّةِ، وبالنّظرِ في التّعليم في الوطنِ العربي نجد بأنّ: عددَ الأميّينَ في العالمِ العربي يكاد أن يصلُ إلى حوالي 54 مليون أمّي، وقد تمّ تسجيلُ تراجع بطيء لعددِ الأميّين في الوطنِ العربي بينَ سنتي 2008 و2015، من حولي 58 مليون إلى 54 مليون أمي، علمًا أنّ عددَ سكانِ الوطنِ العربيّ يبلغُ حوالي 327 مليون نسمةٍ حسبَ تقريرِ (UNFPA) لحالةِ سكانِ العالمِ.
وحسب البياناتِ أيضًا فإنّه، وحتّى عام 2024 يُتوقعُ أن يكونَ هناكَ 49 مليون أميّ في العالمِ العربي، من بينِهم حوالي 15.5 مليونًا من الذكور، و33.5 مليوناً من الإناث، ويبلغُ عددَ الأميّينَ الشّبابِ منهم حوالي 6.5 مليون.
وحسبَ المرصدِ العربي أيضًا فإنّ حواليّ 5.6 مليون طفلٍ عربي ما بينَ 6-11 سنةٍ لم يلتحقوا أساسًا بالمدرسةِ (61.2 % منهم من الإناثِ) هذا في عامِ 2014.
والبيانات المتعلقة بالجامعاتِ العربيّةِ ليسَت أفضل حالًا، سواءً على مستوى الواقعِ الذي تعيشُه الجامعاتُ من ناحيةِ العمران، والمختبرات، أو الخبرات، والمناهجِ، أو نوعيةِ الطّلابِ التي تنتقل منَ النّظامِ المدرسيّ المتهالكِ.
وقد وضعَ الدكتور نضال قسوم، وأطهر أسامة، بحثًا قيمًا نشراهُ في مجلةِ (nature) الطّبعةُ العربيةُ، وضعَا فيه خلاصةَ المشكلاتِ، والمقترحاتِ لتحسينِ واقعِ الّتعليمِ الجامعيّ في العالمِ الإسلاميّ. ويعطي التقريرُ بعضَ الإحصاءاتِ الأساسيةِ في موضوعِ الجامعاتِ، والنّشرِ العلميّ حيثُ: ”تُعتبر دولُ العالمِ الإسلامي، البالغُ عددُها 57 دولة، ووطنًا لحوالي %25 من سكانِ العالمِ، أي تلكَ الدولُ التي يمثلُ المسلمونَ غالبيةَ تعدادِها السكاني، والتي تنتمي إلى منظمةِ التعاونِ الإسلامي (OIC)، ولكن في عامِ 2012 بلغَ إسهامُ هذه الدولِ في براءاتِ الاختراعِ العالميّة نسبة %1.6، و%6 من المنشوراتِ الأكاديميّةِ، و%2.4 من نفقاتِ الأبحاثِ العالميّةِ فقط، كما حازَ ثلاثةُ أشخاصٍ فحسبْ من دولِ منظمةِ التّعاونِ الإسلاميّ على جائزةِ «نوبل» للعلومِ، واليوم لا نجدُ في هذه الدولِ سوى 12 جامعةً مصنّفة بينَ أفضل 400 جامعة على مستوى العالمِ، ولا نجدُ أيّ جامعةِ ضمنَ أفضلِ 100 على مستوى العالم.”
وقد تحدّثا في التّقريرِ عن ضرورةِ تطويرِ المناهجِ، والدّمجِ بينَ العلومِ الإنسانيّة، والعلومِ البحتةِ وضرورةِ تأهيلِ المعلمينَ حول آليّاتِ التّعليمِ الحديثِ، وجعلِ الكفاءةِ، والجدارةِ هي مقياسُ قبولِ وتخرّجِ، وترفيعِ الطّالبِ، وغيرِها من القضايا الجوهريّةِ.
هذه المعلوماتُ مقارنةً بوضعِ التّعليمِ في دولةِ الاحتلالِ الصهيوني تعتبُر كارثية
إنّ مساحة وعددَ نفوسِ إسرائيلِ المحتلةِ صغيرةٌ، وتعادلُ نحوَ نصفِ دولةِ الاتحادِ السويسري على سبيلِ المثالِ، أو تُضاهي أحدَ أحياءِ القاهرةِ، ومع ذلك فهي تضم منابرَ معرفيّةً مهمّة، وقد لا يعرفُ كثيرون أنّ جامعاتِ إسرائيلَ تحتلّ موقعًا عاليًا في ترتيبِ أفضلِ جامعاتِ العالمِ، وتمثلُ الجامعةُ العبريّةُ بالذّاتِ صرحًا علميّا مهمًا، ويقصدُه الدّارسونَ من كلّ العالمِ لينهُلوا المعارفَ، والآدابَ منها، وباتتْ المدرسةُ العالميّةُ في هرتسيليا تجربةً عالميّةً فريدةً من نوعِها في نشرِ علومٍ نادرة.
الممّيزُ في جامعاتِ إسرائيلَ أنّها تواكبُ الرّكبَ الحضاريّ، والعلميّ حيثُ أنَّ 11% من مُجملِ التّطويرِ، والبحثِ تحتضنُه الجامعات، والمعاهد التي تطورُ أيضًا شراكاتٍ مع مراكَز أبحاثٍ، وعلومٍ في العالمِ وفقًا لمعطياتِ نشرتَها صحيفةُ جلوبس الاقتصاديّةُ. وتقولُ الصّحيفةُ أنّ هذه النسبةَ كانت عام 1991، 25% غيرَ أنّ تنامي صناعةِ الهايتك، والبحوثِ المدنيةِ أفرزَت عن تقلصِ حجمِ مساهمةِ الجّامعاتِ التي كانَ لها دورُ الأسد.
الجامعةُ العبريّةُ في أورشليم – The Hebrew University of Jerusalem
هي أولُ جامعةٍ أُقيمَت في المنطقةِ، وهي اليومُ أهمّ مؤسسةٍ تعليميّةٍ في إسرائيل، وتتربعُ في موقعٍ مرموقٍ بينَ أهمّ 100 جامعةٍ في العالمِ. وقد حصلَ ثمانيةٌ من منتسبيها، وخريجيها على جائزةِ نوبل.
المدرسةُ العالميّةُ في هيرتسيليا – IDC Herzliya
المدرسةُ العالميّة في هيرتسيليا، أو هارفرد الإسرائيلية، والتي لم تبلغْ من العمرِ ثلاثةَ عقودٍ بعدُ توفرُ للدّارسينَ فرصًا فيها: في درجةِ البكالوريوس، وتقدمُ الجّامعةُ مقاعدَ في إدارةِ الأعمالِ، والاتصالاتِ، والاقتصادِ، والأعمالِ، والإدارةِ الحكوميّةِ، والديمومةِ، والإدارةِ الحكوميّة، وعلمِ النفس.
لكن ما يميزُها حقًا هو مقاعدُ الماجستير (بوست غراديتويت) التي تشملُ اختصاصاتٍ نادرة فعلًا، وهي:
- دراساتُ مكافحةِ الإرهابِ، والأمنُ الوطني.
- الدبلوماسية، والصّراعات.
- الاقتصاد المالي.
- السّلوك التنظيمي، والتّنمية.
- علمُ النفسِ الاجتماعي.
ويدرسُ في هذه الجامعةِ نحوَ 7 ألافِ طالبٍ بكالوريوس، علاوةً على (الباحثينَ عن المعرفةِ) من مختلفِ أنحاءِ العالمِ، بينُهم سياسيونَ، ودبلوماسيونَ من مناطقَ تقعُ ضمنَ المحيطِ الاستراتيجيّ لدولةِ إسرائيل، ويتجاوزُ عددُ المشاركينَ في عمومِ “ألومني” عشرينَ ألفِ باحث.
كما لها قسمٌ مفتوحٌ للمحاضراتِ بالإنجليزيّةِ بوجهِ الطّلابِ، والباحثينَ الأجانبِ.
معهدُ إسرائيل تيكنيون للتكنلوجيا Technion-Israel Institute of Technology
ومن نافلةِ القولِ أنّ إسرائيل تحتلّ اليومَ المرتبةَ الثانيةَ بعدَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيّةِ في مجالِ دراساتِ الهاي تك، وما يتفرعُ عنها من علومٍ، ومعارفٍ، وفي مجالِ التّقنيةِ، ويقفُ معهدُ إسرائيل للهندسةِ التطبيقيّةِ التيكنيون في الطّليعةِ.
هذه الجامعةُ تقفُ في المرتبةِ 100 بينَ الجامعاتِ العالميّةِ في حقلِ علومِ الكومبيوترِ، ومن أشهِرِ الباحثينَ فيها حسام حايك الذي طوّرَ الأنفَ الذي يشمّ السّرطانَ. كما اشتهرَ المعهدُ بابتكاراتٍ عالميّةٍ طوّرَها الباحثونَ، والخريجونَ فيه.
جامعةُ تل أبيب
تضمّ اليومَ 30 ألفَ طالب، وباحثٍ يدرسونَ، ويبحثونَ في تسعِ كليّاتٍ، وهي تُعدّ –من حيثُ عددُ الدارسين– الأكبرُ في البلد، وبلغَ عمرُها هذا العامُ 61 عامًا، وهي تُعدّ ضمنَ أهمّ 100 جامعةٍ في العالمِ في علومِ الآثارِ.
جامعةُ بن غوريون – Ben-Gurion University of the Negev
اسمُها الرسميّ هو جامعةُ بن غوريون النقبُ، وتقعُ في مدينةِ بئرِ السّبعِ جنوبِ إسرائيلَ، ويضم حرمُها الجامعيّ 20 ألفَ طالبٍ، وباحثٍ، من ضمنِهم الآلافُ من العربِ البدوِ، وعُدت قبلَ أكثرِ من عقدٍ من الزمن ضمنَ أفضلِ 50 جامعةٍ عمرُها أقلّ من خمسينَ عامًا عبرَ العالمِ.
السؤالُ: لصالحِ من هذا الفارقُ الهائلُ في المستوى العلميّ، وعلى ماذا تُنفقُ ثرواتُ الأمّة؟